من القصص القرآني
ما ورد من
قصصه بالقران الكريم
وما جاء بكتب التفاسير
للإمامين
جمعه الشيخ / محمود أبو العنين الخولى
تفسير قصص نوح عليه السلام الواردفي سورة ( آل عمران )
( القرطبي )
( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)
قوله تعالى : "إن الله اصطفى آدم ونوحا". اصطفى اختار ، وقد تقدم في البقرة . وتقدم فيها اشتقاق آدم وكنيته ، والتقدير إنالله اصطفى دينهم وهو دين الإسلام ، فحذف المضاف . وقال الزجاج ، اختارهم للنبوةعلى عالمي زمانهم . ونوحا : قيل إنه مشتق من ناح ينوح ، وهو اسم أعجمي إلا أنهانصرف لأنه على ثلاثة أحرف ،وهو شيخ المرسلين ، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام بتحريمالبنات والأخوات والعمات والخالات وسائر القرابات ، ومن قال : إن إدريس كان قبلهمن المؤرخين فقد وهم على ما يأتي بيانه في الأعراف إن شاء الله تعالى 0
قوله تعالى :"وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين " . تقدم في البقرة معنىالآل وعلى ما يطلق مستوفى . وفي البخاري عن ابن عباس قال : آل إبراهيم وآل عمرانالمؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد ، يقول الله تعالى : إن أولىالناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي الأمي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين .وقيل : آل إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلممن آل إبراهيم . وقيل آل إبراهيم نفسه ، وكذا آل عمران ، ومنه قوله تعالى : وبقيةمما ترك آل موسى وآل هارون . وفي الحديث : لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود ،
وقال الشاعر :
ولا تبك ميتا بعد ميت أحبه علي وعباس وآل أبي بكر
وقال آخر :
يلاقي من تذكر آل ليلى كمايلقى السليم من العداد
أراد من تذكر ليلى نفسها . وقيل : آل عمران آل إبراهيم ،كما قال : ذرية بعضها من بعض . وقيل : المراد عيسى ، لأن أمه ابنة عمران . وقيل :نفسه كما ذكرنا . قال مقاتل : هو عمران أبو موسى وهارون ، وهو عمران بن يصهر بن فاهاثبن لاوي بن يعقوب . وقال الكلبي : هو عمران أبو مريم ، وهو من ولد سليمان عليهالسلام . وحكى السهيلي : عمران بن ماتان ، وامرأته حنة بالنون . وخص هؤلاء بالذكرمن بين الأنبياء لأن الأنبياء والرسل بقضهم وقضيضهم من نسلهم . ولم ينصرف عمرانلأن في آخره ألفا ونونا زائدتين . ومعنى قوله : على العالمين أي على عالمي زمانهم، في وقل أهل التفسير . وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي : جميعالخلق كلهم . وقيل : على العالمين على جميع الخلق كلهم إلى يوم الصور ، وذلك أنهؤلاء رسل وأنبياء فهم صفوة الخلق ، فأما محمد صلى الله عليه وسلم فقد جازت مرتبتهالاصطفاء لأنه حبيب ورحمة . قال الله تعالى : "وما أرسلناك إلا رحمةللعالمين" . فالرسل خلقوا للرحمة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم خلق بنفسهرحمة ، فلذلك صار أمانا للخلق ، لما بعثه الله أمن الخلق العذاب إلى نفخة الصور .وسائر الأنبياء لم يحلوا هذا المحل ، ولذلك قال عليه السلام :
" أنا رحمة مهداة " يخير أنه بنفسهرحمة للخلق من الله . وقوله مهداة أي هديةمن الله للخلق . ويقال : اختار آدم بخمسة أشياء : أولها أنه خلقه بيده في أحسنصورة بقدرته ، والثاني أنه علمه الأسماء كلها ، والثالث أمر الملائكة بأن يسجدواله ، والرابع أسكنه الجنة ، والخامس جعله أبا البشر . واختار نوحا بخمسة أشياء :أولها أنه جعله أبا البشر ، لأن الناس كلهم غرقوا وصار ذريته هم الباقين ، والثانيأنه أطال عمره ، ويقال :
طوبى لمن طال عمره وحسن عمله والثالث أنه استجاب دعاءهعلى الكافرين والمؤمنين ، والرابع أنه حمله على السفينة ، والخامس أنه كان أول مننسخ الشرائع ، وكان قبل ذلك لم يحرم تزويج الخالات والعمات . واختار إبراهيم بخمسةأشياء : أولها أنه جعله أبا الأنبياء ، لأنه روي أنه خرج من صلبه ألف نبي من زمانهإلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، والثاني أنه اتخذه خليلا ، والثالث أنه أنجاهمن النار ، والرابع أنه جعله إماما للناس ، والخامس أنه ابتلاه بالكلمات فوفقه حتىأتمهن . ثم قال : وآل عمران . فإن كان عمران أبا موسى وهارون فإنما اختارهما علىالعالمين حيث بعث على قومه المن والسلوى وذلك لم يكن لأحد من الأنبياء في العالم .وإن كان أبا مريم فإنه اصطفى له مريم بولادة عيسى بغير أب ولم يكن ذلك لأحد فيالعالم . والله أعلم 0
( ابن كثير )
يخبر تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرضفاصطفى آدم عليه والسلام خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه أسماءكل شيء وأسكنه الجنة ثم أهبطه منها لما له في ذلك من الحكمة واصطفى نوحا عليهالسلام وجعله أول رسول بعثه إلى أهل الأرض لما عبد الناس الأوثان وأشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وانتقم له لما طالت مدته بين ظهراني قومه يدعوهم إلى الله ليلاونهارا سرا وجهارا فلم يزدهم ذلك إلا فرارا فدعا عليهم فأغرقهم الله عن آخرهم ولمينج منهم إلا من اتبعه على دينه الذي بعثه الله به واصطفى آل إبراهيم ومنهم سيدالبشر خاتم الأنبياء على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم وآل عمران والمراد بعمرانهذا هو والد مريم بنت عمران أم عيسى ابن مريم عليه السلام 0
تفسير قصص نوح عليه السلام الواردفي سورة ( النساء )
( القرطبي )
ِإنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍوَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَوَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَوَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا
قوله تعالى :" إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلىنوح " هذا متصل بقوله " يسألكأهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء "[ النساء: 153] فأعلم تعالىأن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كأمر من تقدمه من الأنبياء، وقال ابن عباس فيماذكره ابن إسحاق: نزلت في قوم من اليهود -منهم سكين وعيد بن زيد- قالوا للنبي صلىالله عليه وسلم : ما أوحى الله إلى أحد من بعد موسى فكذبهم الله والوحي إعلام في خفاءيقال: وحى إليه بالكلام يحى وحياً وأوحى يوحي إيحاء " إلى نوح " قدمه لأنه أول نبيشرعة على لسانه الشرائع، وقيل غير هذا ذكر الزبير بن بكار حدثني أبو الحسن علي بنالمغيرة عن هشام بن محمد بن السائب عن أبيه قال : أول نبي بعثه الله تبارك وتعالىفي الأرض إدريس واسمه أخنوخ ثم انقطعت الرسل حتى بعث الله نوح بن لمك بن متوشلخ بنأخنوخ، وقد كان سام بن نوح نبياً، ثم انقطعت الرسل حتى بعث الله إبراهيم نبياًواتخذه خليلاً وهو إبراهيم بن تارخ واسم تارخ آزر ثم بعث إسماعيل بن إبراهيم فمات بمكة، ثم إسحاق بن إبراهيم فماتبالشام، ثم لوط وإبراهيم عمه، ثم يعقوب وهو إسرائيل بن إسحاق ثم يوسف بن يعقوب ثمشعيب بن يوبب، ثم هود بن عبد الله ، ثم صالح بن أسف، ثم موسى وهارون ابن عمران ثم أيوب ثم الخضر وهو خضرون، ثم داود بنإيشا ثم سليمان بن داود، ثم يونس بن متى، ثم إلياس ثم ذا الكفل واسمه عويدنا منسبط يهوذا بن يعقوب، قال : وبين موسى بن عمران ومريم بنت عمران أم عيسى ألف سنةوسبعمائة سنة وليسا من سبط ثم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي صلى الله عليهوسلم وقال الزبير: كل نبي ذكر في القرآن ن ولد إبراهيم غير إدريس ونوح ولوط وهود وصالحولم يكن من العرب أنبياء إلا خمسة: هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد صلى الله عليهوسلم وعليهم أجمعين وإنما سموا عرباً لأنهم لم يتكلم بالعربية غيرهم .
قوله تعالى :" والنبيين من بعده " هذايتناول جميع الأنبياء ثم قال: " وأوحينا إلى إبراهيم " فخصأقواما بالذكر تشريفاً لهم كقوله تعالى :" وملائكته ورسله وجبريل وميكال" [ البقرة : 98] ثم قال : " وعيسى وأيوب " قدم عيسى علىقوم كانون قبله ، لأن الواو لا تقتضي الترتيب وأيضاً فيه تخصيص عيسى رداً علىاليهود وفي هذه الآية تنبيه على قدر نبينا صلى الله عليه وسلم وشرفه حيث قدمه فيالذكر على أنبيائه ومثله قوله تعالى" وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح " ب الأحزاب :7]الآية نوح مشتق من النوح وقد تقدم ذكره موعباً في آل عمران وانصرف وهو اسم أعجميلأنه على ثلاثة أحرف فخف فأما إبراهيم وإسماعيل وإسحاق فأعجمية وهي معرفة وذلك لمتنصرف وكذا يعقوب وعيسى وموسى إلا أنعيسى وموسى يجوز أن تكون الألف فيهما للتأنيث فلا ينصرفان في معرفة ولا نكرة فأمايونس ويوسف فروى عن الحسن أنه قرأ ويونس بكسر النون وكذا يوسف يجعلهما من آنسوآسف، ويجب على هذا أن يصرفا ويهمزا ويكون جميعاً يآنس ويآسف ومن لم يهمز قال :يونس ويوسف وحكى أبو زيد: يونس ويوسف بفتحالنون والسين، قال المهدوي: وكأن يونس في الأصل فعل مبني للفاعل ويونس فعلى مبنيللمجهول للمفعول فيسمى بهما .
قوله تعالى :" وآتينا داود زبورا"الزبور كتاب داود وكان مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم ولا حلال وحرام، وإنما هيحكم ومواعظ والزبور الكتابة والزبور بمعنى المزبور أي المكتوب كالرسول والركوبوالحلوب، وقرأ حمزة زبوراً بضم الزاي جمعزبر كفلس وفلوس وزبر بمعنى المزبور، كما يقال: هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبهوالأصل في الكلمة التوثيق يقال: بئر مزبورة أي مطوية بالحجارة والكتاب يسمى إليه الإنس والجن والطير والوحشلحسن صوته، وكان متواضعاً يأكل من عمل يده، روى أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبوأسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قلا إن كان داود صلى الله عليه وسلم ليخطب الناسوفي يده القفة من الخوص، فإذا فرغ ناولها بعض من إلى جنبه يبيعها وكان صنع الدروعوفي الحديث :
الزرقة في العينيمن وكان داود ازرق .
( ابن كثير )
قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيدبن جبير عن ابن عباس قال: قال سكن وعدي بن زيد يا محمد ما نعلم أن الله أنزل علىبشر من شيء بعد موسى فأنزل الله في ذلك من قولهما " إنا أوحينا إليك كماأوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى آخر الآيات وقال ابن جرير حدثناالحارث حدثنا عبدالعزيز حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال أنزل الله" يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " إلى قوله" وقولهم على مريم بهتانا عظيما " قال فلما تلاها عليهم يعني علىاليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا: ما أنزل الله علىبشر من شيء ولا موسى ولا عيسى ولا على نبي من شيء قال فحل حبوته فقال ولا على أحدفأنزل الله عز وجل "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشرمن شيء" وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر فإن هذه الآية التي فيسورة الأنعام مكية وهذه الآية التي في سورة النساء مدنية وهي رد عليهم لما سألواالنبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء قال الله تعالى "فقدسألوا موسى أكبر من ذلك" ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم وما كانوا عليه وما همعليه الآن من الكذب والافتراء ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمد صلىالله عليه وسلم كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المقدمين فقال "إنا أوحيناإليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده" إلى قوله "وآتيناداود زبورا" والزبور اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلاموسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام عندقصصهم من سورة الأنبياء إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان 0
تفسير قصص نوح عليه السلام الواردفي سورة ( الأنعام )
( القرطبي )
( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًاهَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَوَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى:"ووهبنا له إسحاق ويعقوب"أي جزاءاً له على الاحتجاج في الدين وبذل النفس فيه. "كلا هدينا" أي كلواحد منهم مهتد. وكلاً نصب بـ"هدينا "و"نوحا"نصب بـ "هدينا" الثاني. "قبل ومن" أي ذريةإبراهيم. وقيل: من ذرية نوح، قاله الفراء واختاره الطبري وغير واحد من المفسرينكـالقشيري و ابن عطية وغيرهما. والأول قاله الزجاج، واعترض بأنه عد من هذه الذريةيونس ولوط وما كانا من ذرية إبراهيم. وكان لوط ابن أخيه. وقيل: ابن أخته. وقال ابنعباس: هؤلاء الأنبياء جميعاً مضافون إلى ذرية إبراهيم، وإن كان فيهم من لم تلحقهولادة من جهته من جهة أب ولا أم، لأن لوطاً ابن أخي إبراهيم. والعرب تجعل العمأباً كما أخبر الله عن ولد يعقوب أنهم قالوا: "نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيموإسماعيل وإسحاق" [البقرة: 133]. وإسماعيل عم يعقوب. وعد عيسى من ذرية إبراهيموإنما هو ابن البنت. فأولاد فاطمة رضي الله عنها ذرية النبي صلى الله عليه وسلم.وبهذا تمسك من رأى أن ولد البنات يدخلون في اسم الولد وهي:-
الثانية: قال أبو حنيفة و الشافعي: من وقف وقفاً على ولده وولدولده أنه يدخل فيه ولد ولده وولد بناته ما تناسلوا. وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخلفيه ولد البنات. والقرابة عند أبي حنيفة كل ذي رحم محرم. ويسقط عنده ابن العموالعمة وابن الخال والخالة، لأنهم ليسوا بمحرمين. وقال الشافعي: القرابة كل ذيمحرم وغيره. فلم يسقط عنده ابن العم ولا غيره. وقال مالك: لا يدخل في ذلك ولدالبنات. وقوله: لقرابتي وعقبي كقوله: لولدي وولد ولدي. يدخل في ذلك ولد البنين ومنيرجع إلى عصبة الأب وصلبه، ولا يدخل في ذلك ولد البنات. وقد تقدم نحو هذا عنالشافعي في آل عمران. والحجة لهما قوله سبحانه: "يوصيكم الله في أولادكم"[النساء: 11] فلم يعقل المسلمون من ظاهر الآية إلا ولد الصلب وولد الابن خاصةً.وقال تعالى: "وللرسول ولذي القربى" [الأنفال: 8] فأعطى عليهالسلام القرابة منهم من أعمامه دون بني أخواله. فكذلك ولد البنات لا ينتمون إليهبالنسب، ولا يلتقون معه في أب قال ابن القصار: وحجة من أدخل البنات في الأقارب"قوله عليه السلام للحسن بن علي:
إن ابني هذا سيد". ولا نعلم أحداً يمتنع أن يقول فيولد البنات إنهم ولد لأبي أمهم. والمعنى يقتضي ذلك، لأن الولد مشتق من التولد وهممتولدون عن أبي أمهم لا محالة، والتولد من جهة الأم كالتولد من جهة الأب.
( ابن كثير )
يذكر تعالى أنه وهب لإبراهيم إسحاق بعد أن طعن في السنوأيس هو وامرأته سارة من الولد فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوط فبشروهمابإسحاق فتعجبت المرأة من ذلك وقالت "يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعليشيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهلالبيت إنه حميد مجيد" فبشروهما مع وجوده بنبوته وبأن له نسلا وعقبا كماقال تعالى "وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين" وهذا أكمل فيالبشارة وأعظم في النعمة. وقال "فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب"أي ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما فتقر أعينكما به كما قرت بوالده فإن الفرحبولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهم أنه لايعقب لضعفه وقعت البشارة به وبولده باسم يعقوب الذي فيه اشتقاق العقب والذرية وكانهذا مجازاة لإبراهيم عليه السلام حين اعتزل قومه وتركهم ونزح عنهم وهاجر من بلادهمذاهبا إلى عبادة الله في الأرض فعوضه الله عز وجل عن قومه وعشيرته بأولاد صالحينمن صلبه على دينه لتقر بهم عينه كما قال تعالى "فلما اعتزلهم وما يعبدونمن دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا" وقال ههنا"ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا" وقوله "ونوحا هدينا من قبل"أي من قبله هديناه كما هديناه ووهبنا له ذرية صالحة وكل منهما له خصوصية عظيمة أمانوح عليه السلام فإن الله تعالى لما أغرق أهل الأرض إلا من آمن به وهم الذين صحبوهفي السفينة جعل الله ذريته هم الباقين فالناس كلهم من ذريته وأما الخليل إبراهيمعليه السلام فلم يبعث الله عز وجل بعده نبيا إلا من ذريته كما قال تعالى "وجعلنافي ذريتهما النبوة والكتاب" الآية. وقال تعالى "ولقد أرسلنا نوحاوإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب" وقال تعالى "أولئكالذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيموإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا"وقوله في هذه الآية الكريمة "ومن ذريته" أي وهدينا من ذريته"داود وسليمان" الآية وعود الضمير إلى نوح لأنه أقرب المذكورينظاهر لا إشكال فيه وهو اختيار ابن جرير. وعوده إلى إبراهيم لأنه الذي سيق الكلاممن أجله حسن لكن يشكل عليه لوط فإنه ليس من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه هاران بنآزر اللهم إلا أن يقال إنه دخل في الذرية تغليبا كما في قوله "أم كنتمشهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإلهآبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون" فإسماعيل عمهدخل في آبائه تغليبا وكما قال في قوله "فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلاإبليس" فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسجود وذم على المخالفة لأنه كان فيتشبه بهم فعومل معاملتهم ودخل معهم تغليبا وإلا فهو كان من الجن وطبيعته من الناروالملائكة من النور وفي ذكر عيسى عليه السلام في ذرية إبراهيم أو نوح على القولالآخر دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجل لأن عيسى عليه السلام إنما ينسبإلى إبراهيم عليه السلام بأمه مريم عليها السلام فإنه لا أب له. قال ابن أبي حاتمحدثنا سهل بن يحيى العسكري حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا علي بن عابس عن عبدالله بن عطاء المكي عن أبي حرب بن أبي الأسود قال أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمرفقال بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجدهفي كتاب الله - وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده؟ قال أليس تقرأ سورة الأنعام"ومن ذريته داود وسليمان" حتى بلغ "ويحيى وعيسى"قال بلى. قال أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟ قال صدقت. فلهذا إذا أوصىالرجل لذريته أو وقف على ذريته أو وهبهم دخل أولاد البنات فيهم فأما إذا أعطىالرجل بنيه أو وقف عليهم فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه واحتجوا بقول الشاعرالعربي:
بنونا بنوأبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأجانب
وقال آخرون: ويدخل بنو البنات فيه أيضا لما ثبت في صحيحالبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للحسن بن علي إن ابني هذاسيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فسماه ابنا فدل على دخولهفي الأبناء. وقال آخرون: هذا تجوز.
تفسير قصص نوح عليه السلام الوارد فيسورة ( الأعراف )
( القرطبي )
·قوله تعالى: "لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله" لما بين أنه الخالق القادر على الكمال ذكر أقاصيص الأمموما فيها من تحذير الكفار. واللام في لقد للتأكيد المنبه على القسم. والفاء دالةعلى أن الثاني بعد الأول. "يا قوم" نداء مضاف. ويجوز يا قومي علىالأصل. ونوح أول الرسل بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليهما السلام بتحريمالبنات والأخوات والعمات والخالات. قال النحاس: وانصرف لأنه على ثلاثة أحرف. وقديجوز أن يشتق من ناح ينوح، وقد تقدم في آل عمران هذا المعنى وغيره فأغنى عنإعادته. قال ابن العربي: ومن قال إن إدريس كان قبله من المؤرخين فقد وهم. والدليلعلى صحة وهمه الحديث الصحيح في الإسراء حين لقي النبي صلى الله عليه وسلم آدموإدريس فقال له آدم:
·مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح. وقال له إدريس:مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح. فلو كان إدريس أبا لنوح لقال مرحباً بالنبيالصالح والابن الصالح. فلما قال له والأخ الصالح دل ذلك على أنه يجتمع معه في نوح،صلوات الله عليهم أجمعين. ولا كلام لمنصف بعد هذا. قال القاضي عياض: وجاء جوابالآباء هاهنا كنوح وإبراهيم وآدم مرحباً بالابن الصالح. وقال عن إدريس بالأخالصالح كما ذكر عن موسى وعيسى ويوسف وهارون ويحيى ممن ليس بأب باتفاق للنبي صلىالله عليه وسلم. وقال المازري: قد ذكر المؤرخون أن إدريس جد نوح عليهما السلام.فإن قام الدليل على أن إدريس بعث أيضاً لم يصح قول النسابين أنه قبل نوح، لما أخبرعليه السلام من قول آدم أن نوحاً أول رسول بعث، وإن لم يقم دليل جاز ما قالوا: وصحأن يحمل أن إدريس كان نبياً غير مرسل. قال القاضي عياض: قد يجمع بين هذا بأن يقال:اختص بعث نوح لأهل الأرض -كما قال في الحديث- كافة كنبينا عليه السلام. ويكونإدريس لقومه كموسى وهود وصالح ولوط وغيرهم. وقد استدل بعضهم على هذا بقوله تعالى:"وإن إلياس لمن المرسلين * إذ قال لقومه ألا تتقون" [الصافات:123و124]. وقد قيل: إن إلياس هو إدريس. وقد قرئ سلام على إدراسين. قال القاضيعياض: وقد رأيت أبا الحسن بن بطال ذهب إلى أن آدم ليس برسول، ليسلم من هذاالاعتراض. وحديث أبي ذر الطويل: يدل على أن آدم وإدريس رسولان. قال ابن عطية:ويجمع ذلك بأن تكون بعثة نوح مشهورة لإصلاح الناس وحملهم بالعذاب والإهلاك علىالإيمان، فالمراد أنه أول نبي بعث على هذه الصفة. والله أعلم. وروي عن ابن عباس أننوحاً عليه السلام بعث وهو ابن أربعين سنة. قال الكلبي: بعد آدم بثمانمائة سنة.وقال ابن عباس: وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، كما أخبر التنزيل.ثم عاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا. وقال وهب: بعث نوح وهو ابنخمسين سنة. وقال عون بن شداد: بعث نوح وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة. وفي كثير منكتب الحديث: الترمذي وغيره أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام. وذكرالنقاش عن سليمان بن أرقم عن الزهري: أن العرب وفارس والروم وأهل الشام وأهل اليمنمن ولد سام بن نوح. والسند والهند والزنج والحبشة والزط والنوبة، وكل جلد أسود منولد حام بن نوح. والترك وبربر ووراء الصين ويأجوج ومأجوج والصقالبة كلهم من ولديافث بن نوح. والخلق كلهم ذرية نوح.
·قوله تعالى: "ما لكم من إله غيره" برفعغيره قراءة نافع وأبي عمرو وعاصم وحمزة. أي ما لكم إليه غيره. نعت على الموضع.وقيل: غير بمعنى إلا، أي ما لكم من إله إلا الله. قال أبو عمرو: ما أعرف الجر ولاالنصب. وقرأ الكسائي بالخفض على الموضع. ويجوز النصب على الاستثناء، وليس بكثير،غير أن الكسائي والفراء أجازا نصب غير في كل موضع يحسن فيه إلا تم الكلام أو لميتم. فأجازا: ما جاءني غيرك. قال الفراء: هي لغة بعض بني أسد وقضاعة. وأنشد:
·لم يمنع الشرب منها غير أن هتفت حمامة في سحوق ذات أو قال الكسائي: ولا يجوز جاءني غيرك، في الإيجاب، لأنإلا لا تقع هاهنا. قال النحاس: لا يجوز عند البصريين نصب غير إذا لم يتم الكلام.وذلك عندهم من أقبح اللحن.
ـــــــــــــــــ
·قوله تعالى: "أوعجبتم" فتحت الواولأنها واو عطف، دخلت عليها ألف الاستفهام للتقرير. وسبيل الواو أن تدخل على حروفالاستفهام إلا الألف لقوتها. "أن جاءكم ذكر" أي وعظ من ربكم."على رجل منكم" أي على لسان رجل. وقيل: على بمعنى مع، أي مع رجل.وقيل: المعنى أن جاءكم ذكر من ربكم منزل على رجل منكم، أي تعرفون نسبه. أي على رجلمن جنسكم. ولو كان ملكاً فربما كان في اختلاف الجنس تنافر الطبع
ــــــــــــــــ
( ابن كثير )
·لما ذكر تعالى قصة آدم في أول السورة وما يتعلق بذلك ومايتصل به وفرغ منه شرع تعالى في ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام الأول فالأول فابتدأبذكر نوح عليه السلام فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلاموهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي عليه السلام فيما يزعمون وهوأول من خط بالقلم ابن برد بن مهليل بن قنين بن يانش بن شيث بن آدم عليه السلام.هكذا نسبه محمد بن إسحاق وغير واحد من أئمة النسب قال محمد بن إسحاق ولم يلق نبيمن قومه من الأذى مثل نوح إلا نبي قتل. وقال يزيد الرقاشي إنما سمي نوحا لكثرة ماناح على نفسه وقد كان بين آدم إلى زمن نوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم علىالإسلام قال عبد الله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير وكان أول ما عبدت الأصنامأن قوما صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صور أولئك فيها ليتذكرواحالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلماتمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين ودا وسواعا ويغوثويعوق ونسرا فلما تفاقم الأمر بعث الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة رسوله نوحافأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له فقال "يا قوم اعبدوا الله ما لكم منإله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم" أي من عذاب يوم القيامة إذالقيتم الله وأنتم مشركون به.
·قال الله تعالى "فكذبوه" أي تمادوا علىتكذيبه ومخالفته وما آمن معه منهم إلا قليل كما نص عليه في موضع آخر "فأنجيناهوالذين معه في الفلك" أي السفينة كما قال.( فأنجيناه وأصحاب السفينة"وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا" كما قال "مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلميجدوا لهم من دون الله أنصارا" وقوله "إنهم كانوا قوما عمين"أي عن الحق لا يبصرونه ولا يهتدون له فبين تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائهمن أعدائه وأنجى رسوله والمؤمنين وأهلك أعداءهم من الكافرين كقوله "إنالننصر رسلنا" الآية. وهذه سنة الله في عباده في الدنيا والآخرة أنالعاقبة فيها للمتقين والظفر والغلب لهم كما أهلك قوم نوح بالغرق ونجي نوحاوأصحابه المؤمنين وقال مالك عن زيد بن أسلم كان قوم نوح قد ضاق بهم السهل والجبلوقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ما عذب الله قوم نوح إلا والأرض ملأى بهم وليسبقعة من الأرض إلا ولها مالك وحائز وقال ابن وهب بلغني عن ابن عباس إنه نجا مع نوحفي السفينة ثمانون رجلا أحدهم جرهم وكان لسانه عربيا. رواه ابن أبي حاتم وروىمتصلا من وجه آخر عن ابن عباس".
ـــــــــــــــ
تفسير قصص نوح عليه السلام الوارد في سورة ( يونس )
( القرطبي )
( ألَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَوِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِفَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )
· قوله تعالى: "ألم يأتهم نبأ"أي خبر "الذين من قبلهم". والألف لمعنى التقرير والتحذير، أي ألميسمعوا إهلاكنا الكفار من قبل. "قوم نوح وعاد وثمود" بدل منالذين. "وقوم إبراهيم" أي نمرود بن كنعان وقومه. "وأصحابمدين" مدين اسم للبلد الذي كان فيه شعيب. أهلكوا بعذاب يوم الظلة. "والمؤتفكات"قيل: يراد به قوم لوط، لأن أرضهم ائتفكت بهم، أي انقلبت، قاله قتادة. وقيل:المؤتفكات كل من أهلك، كما يقال: انقلبت عليهم الدنيا. "أتتهم رسلهمبالبينات" يعني جميع الأنبياء. وقيل: أتت أصحاب المؤتفكات رسلهم، فعلىهذا رسولهم لوط وحده، ولكنه بعث في كل قرية رسولاً، وكانت ثلاث قريات، وقيل أربع.وقوله تعالى في موضع آخر: "والمؤتفكة" [النجم:53] على طريقالجنس. وقيل: أراد بالرسل الواحد، كقوله: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات"[المؤمنون:51] ولم يكن في عصره غيره. قلت- وهذا فيه نظر، للحديث الصحيح عن النبيصلى الله عليه وسلم:"إن الله خاطب المؤمنين بما أمر به المرسلين"الحديث. وقد تقدم في البقرة. والمراد جميع الرسل، والله أعلم.
· قوله تعالى:"فما كان الله ليظلمهم" أي ليهلكهم حتى يبعث إليهم الأنبياء."ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" ولكن ظلموا أنفسهم بعد قيام الحجةعليهم.
( ابن كثير )
· يقول تعالى واعظا لهؤلاء المنافقين المكـذبين للرسل" ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم " أي ألم تخبروا خبر من كانقبلكم من الأمم المكذبة للرسل " قوم نوح " وما أصابهم من الغرقالعام لجميع أهل الأرض إلا من آمن بعبده ورسوله نوح عليه السلام " وعاد" كيف أهلكوا بالريح العقيم لما كذبوا هودا عليه السلام " وثمود" كيف أخذتهم الصيحة لما كذبوا صالحا عليه السلام وعقروا الناقة " وقومإبراهيم " كيف نصره الله عليهم وأيده بالمعجزات الظاهرة عليهم وأهلكملكهم نمرود بن كنعان بن كوش الكنعاني لعنه الله " وأصحاب مدين "وهم قوم شعيب عليه السلام وكيف أصابتهم الرجفة وعذاب يوم الظلة " والمؤتفكات" قوم لوط وقد كانوا يسكنون في مدائن وقال في الآية الأخرى " والمؤتفكةأهوى " أي الأمة المؤتفكة وقيل أم قراهم وهي سدوم والغرض أن اللهتعالى أهلكهم عن آخرهم بتكذيبهم نبي الله صلى الله عليه وسلم لوطا عليه السلاموإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين " أتتهم رسلهمبالبينات " أي بالحجج والدلائل القاطعات " فما كان الله ليظلمهم" أي بإهلاكه إياهم لأنه أقام عليهم الحجة بإرسال الرسل وإزاحة العلل " ولكنكانوا أنفسهم يظلمون " أي بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم الحق فصاروا إلى ماصاروا إليه من العذاب والدمار0
تفسير قصص نوح عليه السلام الوارد في سورة ( يونس )
( القرطبي )
·قوله تعالى: "واتل عليهم نبأ نوح" أمرهعليه السلام أن يذكرهم أقاصيص المتقدمين، ويخوفهم العذاب الأليم على كفرهم. وحذفتالواو من اتل لأنه أمر، أي اقرأ عليهم خبر نوح. "إذ قال لقومه"إذ في موضع نصب. "يا قوم إن كان كبر عليكم" أي عظم وثقل عليكم."مقامي" المقام (بفتح الميم): الموضع الذي يقوم فيه. والمقام(بالضم) الإقامة. ولم يقرأ فيما علمت، أي إن طال عليكم لبثي فيكم. "وتذكيري"إياكم، وتخويفي لكم. "بآيات الله" وعزمتم على قتلي وطردي. "فعلى الله توكلت" أي اعتمدت. وهذا هوجواب الشرط، ولم يزل عليه السلام متوكلاً على الله في كل حال، ولكن بين أنه متوكلفي هذا على الخصوص ليعرف قومه أن الله يكفيه أمرهم، أي إن لم تنصروني فإني أتوكلعلى من ينصرني.
·قوله تعالى: "فأجمعوا أمركم وشركاءكم"قراءة العامة فأجمعوا يقطع الألف شركاءكم بالنصب. وقرأ عاصم الجحدري فاجمعوا بوصلالألف وفتح الميم، من جمع يجمع. شركاءكم بالنصب. وقرأ الحسن و ابن إسحاق و يعقوبفاجمعوا بقطع الألف شركاؤكم بالرفع. فأما القراءة الأولى من أجمع على الشيء إذاعزم عليه.وقال الفراء: أجمع الشيء أعده. وقال المؤرخ: أجمعت الأمر أفصح من أجمعتعليه.وأنشد: يا يتشعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوماًوأمري مجمع
·قال النحاس: وفي نصب الشركاء على هذه القراءة ثلاثةأوجه، قال الكسائي و الفراء: هو بمعنى وادعوا شركاءكم لنصرتكم، وهو منصوب عندهماعلى إضمار هذا الفعل. وقال محمد بن يزيد: هو معطوف على المعنى، كما قال:
· يا ليت زوجك في الوغى متقلدا سيفاً ورمحاً
·والرمح لا يتقلد، إلا أنه محمول كالسيف. وقال أبو إسحاقالزجاج: المعنى مع شركائكم على تناصركم، كما يقال: التقى الماء والخشبة. والقراءةالثانية من الجمع، اعتباراً بقوله تعالى: "فجمع كيده ثم أتى"[طه: 60] قال أبو معاذ: ويجوز أن يكون جمع أجمع بمعنى واحد، وشركاءكم على هذهالقراءة عطف على أمركم، أو على معنى فأجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم، وإن شئت بمعنىمع. قال أبو جعفرالنحاس: وسمعت أبا إسحاق يجيز قام زيد وعمراً. والقراءة الثالثةعلى أن يعطف الشركاء على المضمر المرفوع في أجمعوا، وحسن ذلك الكلام قد طال. قالالنحاس وغيره: وهذه القراءة تبعد، لأنه لو كان مرفوعاً لوجب أن تكتب بالواو، ولمير في المصاحف واو في قوله وشركاءكم، وأيضاً فإن شركاءهم الأصنام، والأصنام لاتصنع شيئاً ولا فعل لها حتى تجمع. قال المهدوي : ويجوز أن يرتفع الشركاء بالابتداءوالخبر محذوف، أي وشركاءكم ليجمعوا أمرهم، ونسب ذلك إلى الشركاء وهي لا تسمع ولاتبصر ولا تميز على جهة التوبيخ لمن عبدها.
·قوله تعالى: "ثم لا يكن أمركم عليكم غمة"اسم يكن وخبرها. وغمة وغم سواء، ومعناه التغطية، من قولهم: غم الهلال إذا استتر،أي ليكن أمركم ظاهراً منكشفاً تتمكنون فيه مما شئتم، لا كمن يخفى أمره فلا يقدرعلى ما يريد. قال طرفة:
· لعمرك ما أمري علي بغمة نهاري ولا ليلي علي بسرمد
·الزجاج: غمة ذا غم، والغم والغمة كالكرب والكربة. وقيل:إن الغمة ضيق الأمر الذي يوجب الغم فلا يتبين صاحبه لأمره مصدراً لينفرج عنه مايغمه. وفي الصحاح: والغمة الكربة. قال العجاج:
· بل لو شهدت الناس إذ تكموا بغمةلو لم تفرج غموا
·يقال: أمر غمة، أي مبهم ملتبس، قال تعالى: "ثملا يكن أمركم عليكم غمة". قال أبو عبيدة: مجازها ظلمة وضيق. والغمةأيضاً: قعر النخي وغيره. قال غيره: وأصل هذا كله مشتق من الغمامة.
·قوله تعالى: "ثم اقضوا إلي ولا تنظرون"ألف اقضوا ألف وصل، من قضى يقضي. قال الأخفش و الكسائي: وهو مثل. "وقضيناإليه ذلك الأمر" [الحجر: 66]، أي أنهينا إليه وأبلغناه إياه.
· وروي عن ابن عباس "ثم اقضوا إلي ولاتنظرون" قال: امضوا إلي ولا تؤخرون. قال النحاس: هذا قول صحيح في اللغة،ومنه: قضى الميت أي مضى. وأعلمهم بهذا أنهم لا يصلون إليه، وهذا من دلائل النبوات.وحكى الفراء عن بعض القراء ثم افضوا إلي بالفاء وقطع الألف، أي توجهوا، يقال: أفضتالخلافة إلى فلان، وأفضي إلي الوجع. وهذا إخبار من الله تعالى عن نبيه نوح عليهالسلام أنه كان بنصر الله واثقاً، ومن كيدهم غير خائف، علماً منه بأنهم وآلهتهم لاينفعون ولا يضرون. وهو تعزية لنبيه صلى الله عليه وسلم وتقوية لقلبه.
ـــــــــــــــــــ
( ابن كثير )
·يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه "واتلعليهم" أي أخبرهم واقصص عليهم أي على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك"نبأ نوح" أي خبره مع قومه الذين كذبوه كيف أهلكهم الله ودمرهمبالغرق أجمعين عن آخرهم ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك"إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم" أي عظم عليكم "مقامي"أي فيكم بين أظهركم "وتذكيري" إياكم "بآيات الله" أي بحججه وبراهينه "فعلى الله توكلت" أي فإني لا أباليولا أكف عنكم سواء عظم عليكم أو لا"فأجمعوا أمركم وشركاءكم" أيفاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله من صنم ووثن "ثم لا يكنأمركم عليكم غمة" أي ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا بل افصلوا حالكم معيفإن كنتم تزعمون أنكم محقون فاقضوا إلي "ولا تنظرون" أي ولاتؤخروني ساعة واحدة أي مهما قدرتم فافعلوا فإني لا أباليكم ولا أخاف منكم لأنكملستم على شيء كما قال هود لقومه "إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مماتشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم"الآية.
ـــــــــــــــ
·"فإن توليتم" أي كذبتم وأدبرتم عن الطاعة "فما سألتكممن أجر" أي لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا "إن أجرى إلا علىالله وأمرت أن أكون من المسلمين" أي وأنا ممتثل ما أمرت به من الإسلاملله عز وجل والإسلام هو دين الأنبياء جميعا من أولهم إلى آخرهم وإن تنوعت شرائعهموتعددت مناهلهم كما قال تعالى "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" قالابن عباس سبيلا وسنة فهذا نوح يقول "وأمرت أن أكون من المسلمين"وقال تعالى عن إبراهيم الخليل "إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمينووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتممسلمون" وقال يوسف "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويلالأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقنيبالصالحين" وقال موسى "يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلواإن كنتم مسلمين" وقال السحرة "ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنامسلمين" وقالت بلقيس "رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله ربالعالمين". وقال تعالى "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكمبها النبيون الذين أسلموا" وقال تعالى "وإذ أوحيت إلى الحواريينأن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون" وقال خاتم الرسلوسيد البشر صلى الله عليه وسلم "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربالعالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" أي من هذه الأمةولهذا قال في الحديث الثابت عنه "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ودينناواحد".
· أي وهو عبادة الله وحده لا شريك له وإن تنوعتشرائعنا وذلك معنى قوله أولاد علات وهم الإخوة من أمهات شتى والأب واحد.
ـــــــــــــــ
·وقوله تعالى "فكذبوه فنجيناه ومن معه"أي على دينه "في الفلك" وهي السفينة "وجعلناهم خلائف"أي في الأرض "وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين"أي يا محمد كيف أنجينا المؤمنين وأهلكنا المكذبين.
ـــــــــــــــ
تفسير قصص نوح عليه السلام الوارد في سورة ( هود )
( القرطبي )
·قوله تعالى: " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه" ذكر سبحانه قصص الأنبياء عليهم السلام للنبي صلى الله عليه وسلم تنبيهاً لهعلى ملازمة الصبر على أذى الكفار إلى أن يكفيه الله أمرهم. " إني " أي فقال: إني، لأن فيالإرسال معنى القول. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو و الكسائي ( أني) بفتح الهمزة، أي أرسلناه بأني لكمنذير مبين. ولم يقل ( إنه) لأنه رجع من الغيبة إلى خطاب نوح لقومه، كماقال: " وكتبنا له في الألواح من كل شيء " ثم قال: " فخذهابقوة " ( الأعراف: 145).
·قوله تعالى: " أن لا تعبدوا إلا الله "أي اتركوا الأصنام فلا تعبدوها، وأطيعوا الله وحده. ومن قرأ ( إني) بالكسر جعلهمعترضاً في الكلام، والمعنى أرسلناه بألا تعبدوا إلا الله.
· " إنيأخاف عليكم عذاب يوم أليم ".
·فيه أربع مسائل:
·الأولى: قوله تعالى: " فقال الملأ " قال أبوإسحق الزجاج: الملأ الرؤساء، أي هم مليئون بما يقولون. وقد تقدم هذا في ( البقرة)وغيرها. " ما نراك إلا بشرا " أي ادمياً. " مثلنا" نصب على الحال. و ( مثلنا) مضاف إلى معرفة وهو نكرة يقدر فيهالتنوين، كما قال الشاعر:
· يا رب مثلك في النساء غريرة
·الثانية: قوله تعالى: " وما نراك اتبعك إلا الذين همأراذلنا " أراذل جمع أرذل وأرذل جمع رذل، مثل كلب وأكلب وأكالب. وقيل:والأراذل جمع الأرذل، كأساود جمع الأسود من الحيات. والرذل النذل، أرادوا اتبعكأخساؤنا وسقطنا وسفلتنا. قال الزجاج: نسبوهم إلى الحياكة، ولم يعلموا أن الصناعاتلا أثر لها في الديانة. قال النحاس: الأرذل هم الفقراء، والذي لا حسب لهم،والخسيسو الصناعات. وفي الحديث: " إنهم كانوا حاكة وحجامين ". وكان هذاجهلاً منهم، لأنهم عابوا نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لا عيب فيه، لأنالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، لويسعليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسلون إلى الناس جميعاً، فإذا أسلم منهم الدنيءلم يلحقهم من ذلك نقصان، لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم.
·قلت: الأراذل هنا هم الفقراء والضعفاء، كما قال هرقللأبي سفيان: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم، فقال: هم أتباعالرسل. قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاكعنها، والأنفة من الانقياد للغير، والفقير خلي عن تلك الموانع، فهو سريع إلىالإجابة والانقياد. وهذا غالب أحوال أهل الدنيا.
·الثالثة: اختلف العلماء في تعيين السفلة على أقوال، فذكر ابنالمبارك عن سفيان أن السفلة هم الذين يتقلسون، ويأتون أبواب القضاة والسلاطينيطلبون الشهادات. وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: السفلة الذين يأكلون الدنيا بدينهم،قيل له: فمن سفلة السفلة؟ قال: الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه. وسئل علي رضي اللهعنه عن السفلة فقال: الذين إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم يعرفوا. وقيل لمالكبن أنس رضي الله عنه: من السفلة؟ قال: الذي يسب الصحابة. وروي عن ابن عباس رضيالله عنهما: الأرذلون الحاكة والحجامون. يحيى بن أكثم: الدباغ والكناس إذا كان منغير العرب.
·الرابعة: إذا قالت المرأة لزوجها: يا سفلة، فقال: إن كنت منهمفأنت طالق، فحكى النقاش أن رجلاً جاء إلى الترمذي فقال: إن امرأتي قالت لييا سفلة، فقلت: إن كنت سفلة فأنت طالق، قال الترمذي : ما صناعتك؟ قال: سماك، قال: سفلة والله سفلة ، والله سفلة.
·قلت: على ما ذكره ابن المبارك عن سفيان لا تطلق، وكذلكعلى قول مالك ، وابن الأعرابي لا يلزمهشيء.
·قوله تعالى: " بادي الرأي ". أي ظاهرالرأي، وباطنهم على خلاف ذلك. يقال: بدا يبدوا إذا ظهر، كما قال: فاليوم حين بدون للنظار
·ويقال للبرية بادية لظهورها. وبدا لي أن أفعل كذا، أيظهر لي رأي غير الأول. وقال الأزهري :معناه فيما يبدوا لنا من الرأي. ويجوز أن يكون ( بادي الرأي) من بدأ يبدأوحذف الهمزة. وحقق أبو عمروا الهمزة فقرأ: ( باديء الرأي) أو أول الرأي، أياتبعوك حين ابتدؤوا ينظرون، ولو أمعنوا النظر والفكر لم يتبعوك، ولا يختلف المعنىها هنا بالهمز وترك الهمز. وانتصب على حذف (في) كما قال عز وجل: " واختارموسى قومه ". ( الأعراف: 7) " وما نرى لكم علينا من فضل "أي في إتباعه، وهذا جحد منهم لنوبته صلى الله عليه وسلم. "بل نظنكم كاذبين " الخطابلنزح ومن آمن معه.
·قوله تعالى: " قال يا قوم أرأيتم إن كنت علىبينة من ربي " أي على يقين، قاله أبو عمران الجوني. وقيل: على معجزة، وقدتقدم في ( الأنعام) هذا المعنى. " وآتاني رحمة من عنده " أي نبوةورسالة، عن ابن عباس، وهي رحمة على الخلق. وقيل: الهداية إلى الله بالبرهين. وقيل:بالإيمان والإسلام. ( فعميت عليكم) أي عميت عليكم الرسالة والهداية فلمتفهموها. يقال: عميت عن كذا، وعمي علي كذا أي لم افهمه. والمعنى: فعميت الرحمة،فقيل: هو مقلوب، لأن الرحمة لا تعمى إنما يعمى عنها، فهو كقولك: أدخلت في القلنسوةرأسي، ودخل الخف في رجلي. وقرأها الأعمش وحمزة و الكسائي ( فعميت) بضم العين وتشديد الميم على ما لم يسم فاعله، أي فعماهاالله عليكم، وكذا في قراءة أبي ( فعماها) ذكرها الماوردي . " أنلزمكموها " قيل: شهادة أن لا إله إلاالله. وقيل: الهاء ترجع إلى الرحمة. وقيل: إلى البينة، أي أنلزمكم قبولها، وأوجبهاعليكم؟! وهو استفهام بمعنى الإنكار، أي لا يمكنني أن أضطركم إلى المعرفة بها،وإنما قصد نوح عليه السلام بهذا القول أن يرد عليهم. وحكى الكسائي والفراء ( أنلزمكموها) بإسكان الميم الأولى تخفيفاً، وقد أجاز مثلهذا سيبويه ، وأنشد:
· فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واغل
·وقال النحاس :ويجوز على قول يونس في غير القرآن أنلزمكمها يجزى المضمر مجرى المظهر، كما تقول:أنلزمكم ذلك. " وأنتم لها كارهون " أي لا يصح قبولكم لها معالكراهة عليها. قال قتادة: والله لو استطاع نبي الله نوح عليه السلام لألزمها قومهولكنه لم يملك ذلك.
قوله تعالى:" ويا قوم لا أسألكم عليه " أي على التبليغ، والدعاء إلى الله،والإيمان به أجراً أي " مالا " فيثقل عليكم. " إن أجري إلاعلى الله " أي ثوابي في تبليغ الرسالة. " وما أنا بطارد الذين آمنوا" سألوه أن يطرد الأراذل الذين آمنوا به، كما سألت قريش النبي صلى الله عليهوسلمن أن يطرد الموالي والفقراء، حسب ما تقدم في ( الأنعام) بيانه، فأجابهم بقوله:" وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم " يحتمل أن يكونقال هذا على وجه الإعظام لهم بلقاء الله عز وجل، ويحتمل أن يكون قاله على وجهالاختصام، أي لو فعلت ذلك لخاصموني عند الله، فيجازيهم على إيمانهم، ويجازي منطردهم. " ولكني أراكم قوما تجهلون " في استرذالكم لهم، وسؤالكمطردهم.
قوله تعالى: " ويا قوم منينصرني من الله " قال الفراء:أي يمنعني من عذابه. " إن طردتهم " أي لأجل إيمانهم. " أفلاتذكرون " أدغمت التاء في الذال. ويجوز حذفها فتقول: تذكرون.
·قوله تعالى: " ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولاأعلم الغيب " أخبر بتذلله وتواضعه لله عز وجل، وأنه لا يدعي ما ليس له منخزائن الله، وهي إنعامه على من يشاء من عبادة، وأنه لا يعلم الغيب، لأن الغيب لايعلمه إلا الله عز وجل. " ولاأقول إني ملك " أي لا أقول إن منزلتي عند الناس منزلة الملائكة. وقد قالتالعلماء: الفائدة في الكلام الدلالة على أن الملائكة أفضل من الأنبياء، لدوامهمعلى الطاعة، واتصال عباداتهم إلى يوم القيامة، صلوات الله عليهم أجمعين. وقد تقدمهذا المعنى في ( البقرة). " ولا أقول للذين تزدري أعينكم " أيتستثقل وتحتقر أعينكم، والأصل تزديهم حذفت الهاء والميم لطول الاسم. والدال مبدلةمن تاء، لأن الأصل في تزدري تزتري، ولكن التاء تبدل بعد الزاي دالا، لأن الزايمجهورة والتاء مهموسة، فأبدل من التاء حرف مجهور من مخرجها. ويقال: أزريت عليه إذاعبته. وزريت عليه إذا حقرته. وأنشد الفراء: يباعده الصديقوتزدريه حليلته وينهره الصغير
·" لن يؤتيهم الله خيرا " أي ليسلاحتقاركم لهم تبطل أجورهم، أو ينقص ثوابهم. " الله أعلم بما في أنفسهم "فيجازيهم عليه ويؤاخذهم به. " إني إذا لمن الظالمين " أي إن قلتهذا الذي تقدم ذكره. و ( إذاً) ملغاة، لأنها متوسطة.
·قوله تعالى: " قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرتجدالنا " أي خاصمتنا فأكثرت خصومتنا وبالغت فيها. والجدل في كلام العربالمبالغة في الخصومة، مشتق من الجدل وهو شدة الفتل، ويقال للصقر أيضاً أجلد لشدتهفي الطير، وقد مضى هذا المعنى في ( الأنعام) بأشبع من هذا. وقرأ ابن عباس ( فأكثرتجدلنا) ذكره النحاس . والجدل في الدينمحمود، ولهذا جادل نوح والأنبياء قومهم حتى يظهر الحق، فمن قبله أنجح وأفلح، ومنرده خاب وخسر. وأما الجدال لغير الحق حتى يظهر الباطل في صورة الحق فمذموم، وصاحبهفي الدارين ملوم. " فأتنا بما تعدنا " أي منالعذاب. " إن كنت من الصادقين " فيقولك.
·قوله تعالى: " قال إنما يأتيكم به الله إن شاء" أي إن أراد إهلاككم عذبكم. " وما أنتم بمعجزين " أيبفائتين. وقيل: بغالبين بكثرتكم، لأنهم أعجبوا بذلك، كانوا ملؤوا الأرض سهلاًوجبلاً على ما يأتي.
·قوله تعالى: " ولا ينفعكم نصحي " إيإبلاغي واجتهادي في إيمانكم. " إن أردت أن أنصح لكم " أي لأنكملا تقبلون نصحاً، وقد تقدم في ( براءة) معنى النصح لغة. " إن كان اللهيريد أن يغويكم " أي يضلكم. وهذا مما يدل على بطلان مذهب المعتزلةوالقدرية ومن وافقهما، إذ زعموا أن الله تعالى لا يريد أن يعصي العاصي، ولا يكفرالكافر، ولا يغوي الغوي، وأنه يفعل ذلك، والله لا يريد ذلك، فرد الله عليهم بقوله:" إن كان الله يريد أن يغويكم ". وقد مضى هذا المعنى في (الفتحة) ويغرها. وقد أكذبوا شيخهم اللعين إبليس على ما بيناه في ( الأعراف) فيإغواء الله تعالى إياه حيث قال: " فبما أغويتني " ( الأعراف: 16)ولا محيص لهم عن قول نوح عليه السلام: ( إن كان الله يريد أن يغويكم) فأضافإغواءهم إلى الله سبحانه وتعالى، إذ هو الهادي والمضل، سبحانه عما يقول الجاحدونوالظالمون علواً كبيراً. وقيل: ( أن يغويكم) يهلككم، لأن الإضلال يفضي إلىالهلاك. الطبري : ( يغويكم) يهلككمبعذابه، حكي عن طيء: أصبح فلان غاوياً أي مريضاً، وأغويته أهلكته، ومنه " فسوفيلقون غيا " ( مريم: 59) " هو ربكم " فإليه الإغواء،وإليه الهداية. " وإليهترجعون " تهديد ووعيد.
·قوله تعالى: " أم يقولون افتراه "يعنون النبي صلى الله عليه وسلم. افترى افتعل، أي اختلق القرآن من قبل نفسه، وماأخبر به عن نوح وقومه، قاله مقاتل. وقال ابن عباس: هو من محاورة نوح لقومه وهوأظهر، لأنه ليس قبله ولا بعده إلا ذكر نوح وقومه، فالخطاب منهم ولهم. " قلإن افتريته " أي اختلقته وافتعلته، يعني الوحي والرسالة. " فعليإجرامي " أي عقاب إجرامي، وإن كنت محقاً فيما أقوله فعليكم عقاب تكذيبي.والإجرام مصدر أجرم، وهو اقتراف السيئة. وقيل المعنى: أي جزاء جرمي وكسبي. وجرموأجم بمعنى، عن النحاس وغيره. قال:
·طريد عشيرة ورهين جزم بما جرمت يدي وجنى لساني
·